تقنية

الإبهام الثالث ماذا يمكنك أن تفعل بإصبع إضافي في يدك؟

تخيل الأصوات التي كان يمكن أن يستحضرها عازف الجيتار الشهير جوزيبي تارتيني أو جيمي هندريكس لو كان لديهم إصبع إضافي للعمل به. وبالمثل، فكر في مدى سرعة الرسامين التاريخيين مثل ليوناردو دافنشي أو فنسنت فان جوخ في تجميع أعمال حياتهم إذا كان بإمكانهم ببساطة حمل ألوان الزيت والفرشاة في اليد نفسها.

كان كل واحد من هؤلاء الفنانين مقيداً بتشريحه البيولوجي حيث تحتوي كلتا يديه على 10 أصابع، ولكن قد لا يكون هذا هو الحال بالضرورة بالنسبة للمبدعين المستقبليين بفضل ابتكار إصبع روبوتي إضافي يمثل تقدماً محتملاً رائداً في الأطراف الصناعية، ويطلق عليه “الإبهام الثالث”.

كيف يعمل؟
الإبهام الثالث، الذي ابتكرته داني كلود أخصائية الأطراف الصناعية في مختبر اللدونة بجامعة كامبردج، صُمم لتعزيز القدرات البيولوجية للمستخدمين، ومساعدة الأشخاص في التقاط المزيد من الأشياء المختلفة وحملها مع التركيز على ضمان المساواة في الوصول إلى مختلف الفئات.

هذا الإبهام الإضافي هو إصبع آلي اصطناعي إضافي مطبوع ثلاثي الأبعاد يُتحكم فيه عن طريق أصابع قدم المستخدم، وهو جزء من مجال التكنولوجيا المتنامي المشار إليه باسم “التعزيز الحركي” الذي صُمم لتوسيع القدرات البدنية للبشر.

يُرتدى “الإبهام الثالث” تحت إصبع الخنصر مباشرة على الجانب الآخر للإبهام الحقيقي للمستخدم، ويُثبت في مكانه بواسطة رباط المعصم ليشبه الإصبع السادس. يُشغل عن طريق الضغط إلى أسفل على زوج من الأجهزة الموضوعة تحت كل إصبع كبير في كلتا القدمين، والتي يمكن وضعها داخل الحذاء. يؤدي الضغط الذي يمارسه إصبع القدم الأيمن إلى تحريك “الإبهام الثالث” من جانب إلى آخر عبر اليد، بينما يؤدي الضغط الذي يُمارس من إصبع القدم الأيسر إلى تحريكه لأعلى ولأسفل نحو الأصابع الطبيعية. أدوات التحكم في حركة الإبهام الثالث لاسلكية ومتناسبة طرديا مع الضغط المُطبَّق، لذا فإن الحركة الأسرع من أصابع القدم ستؤدي إلى حركة سريعة مماثلة بالإبهام، وسيؤدي تحرير الضغط على إصبع القدم إلى إعادة الإبهام إلى موضعه الأصلي.

مهام متعددة بيدٍ واحدة
يقول مبتكرو الإبهام الثالث في ورقتهم البحثية: إن “التكنولوجيا تُغير تعريفنا لما يعنيه أن تكون إنسانا، حيث أصبحت الآلات بشكل متزايد جزءًا من حياتنا اليومية، وحتى عقولنا وأجسادنا”. ويعتقدون أن هذا الإبهام الآلي يمكن أن يساعد قريبا الأشخاص على استعادة القدرة على الحركة والأداء الوظيفي، كما يمكن أن يكون ذا قيمة خاصة لمبتوري الأطراف الذين فقدوا أذرعتهم، ويواجهون صعوبة في أداء مهامهم بيد واحدة فقط.

لكن الاستخدامات المحتملة للإبهام الثالث لا تقتصر فقط على مساعدة المستخدِمين الذين فقدوا أصابعهم. وفي مقاطع الفيديو والصور التي توضح الاختبارات، أظهر المستخدِمون أن الإبهام قوي بما يكفي للضغط على الفاكهة، ودقيق بما يكفي لتمرير الخيط عبر الإبرة. وفي مكان آخر، يمكن رؤية مستخدِمين يكسرون بيضة، بينما يضعون أخرى بأمان على الإبهام. تُظهر صورة أخرى رساما يحمل كوبا مليئا بالحبر بإبهامه ويمسك في اليد نفسها فرشاة رسم، ويمكن أيضا استخدام الإبهام على ما يبدو للعزف على أوتار الجيتار.

نتائج مشجعة
على الرغم من أن التصميم الأولي لجهاز الإبهام الثالث الآلي يعود إلى عام 2017، فقد أصدر باحثون من جامعة كامبردج نتائج أول جولة واسعة النطاق من الاختبارات البشرية باستخدام الجهاز. ونشرت الدراسة التي قادتها “تامار ماكين” الأستاذة في وحدة علوم الإدراك والدماغ بمجلس البحوث الطبية بجامعة كامبردج، في مجلة “ساينس روبوتيكس”. وفي دراستهم، أخذ الباحثون نسخا مختلفة الأحجام من الإبهام إلى المعرض العلمي الصيفي للجمعية الملكية البريطانية لعام 2022، واختبروه على 596 شخصا تتراوح أعمارهم بين 3 و96 عاما.

وعلى مدار 5 أيام، شرع الباحثون في استخدام مجموعات من المتطوعين الذين جاؤوا من خلفيات مختلفة من حيث الجنس والعرق واستخدام اليد، ومُنحوا ما يصل إلى دقيقة واحدة للتعرف على الجهاز. قام المشاركون في التجربة ببعض المهام اليدوية لتحديد ما إذا كان بإمكانهم فهم طبيعة عمل الإبهام بسهولة واستخدامه لالتقاط أشياء مختلفة بسرعة وبشكل فعال أم لا. كانت نتائج التجربة مشجعة، ووجدت الغالبية العظمى من المختبِرين أن “الإبهام الثالث” سهل الاستخدام، وتمكنوا من توسيع نطاق حركاتهم بتأثير فوري تقريبا.

تمكن نحو 98% من المشاركين من تجهيز الإبهام الإضافي بنجاح والتعامل مع الأشياء خلال الدقيقة الأولى. بشكل عام، وجد الباحثون أن ارتداء الإبهام والتحكم فيه نجح بنسبة 99.3% من العينة. لكن تحريك الأشياء والقيام بها ببراعة قصتان مختلفتان تماما. لاختبار ذلك، كُلِّف الأشخاص الخاضعون للاختبار بمهمتين منفصلتين مدة كل منهما دقيقة واحدة لمعرفة مدى فائدة “الإبهام الثالث”. طلب الباحثون من المشاركين استخدام إصبعهم الآلي الجديد لالتقاط المشابك ووضعها في السلة خلال 60 ثانية، وأكمل أكثر من نصفهم (333 مشاركا) المهمة بشكل فعال. طُلب من الخاضعين للاختبار استخدام الإبهام جنبا إلى جنب مع أصابعهم الأخرى لتحريك ما يصل إلى ستة أجسام رغوية بأحجام وأشكال مختلفة تتطلب مستويات مختلفة من البراعة لحملها ووضعها بالمثل في السلة بسرعة. وفي هذه المرة أكمل 246 من المشاركين الاختبار.

أمكن للذين اختبروا الإصبع من جميع الأعمار استخدام الإبهام بنجاح وبسرعة إلى حد ما، لكنّ الأطفال الأصغر سنا واجهوا صعوبة في استخدام الإبهام. كما لاحظ الباحثون أن الأداء انخفض لدى كبار السن، وأرجعوا هذه النتيجة إلى التدهور العام في القدرات الحسية والإدراكية المرتبطة بالشيخوخة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تعكس هذه التأثيرات أيضا علاقة الأجيال بالتكنولوجيا.

محاولة لتعزيز المساواة
يريد الباحثون تعزيز إمكانية وصول الإبهام الآلي في وقت مبكر من عملية التصميم، ويؤكدون في اختبارهم أهمية تطوير الأدوات التي تكون عملية وسهلة الاستخدام، وبالتالي تعليم المرضى كيفية استخدام هذا الجهاز بسرعة. في التجارب لاحظ الباحثون أنهم شجعوا ليس فقط العدد الهائل من المشاركين القادرين على استخدام الإبهام، ولكن أيضا تنوعهم الديمغرافي الواسع.

وبالمثل، يقول الباحثون إنهم لم يقيسوا أي اختلاف ملحوظ في الأداء العام بين الجنسين أو بين الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى أو اليمنى، وذلك على الرغم من أن الإبهام كان يُرتدى دائمًا في اليد اليمنى. ومن المتوقع أن تساعد هذه النتائج الباحثين على تكييف الإبهام الثالث بشكل أفضل لاستخدامه مع عدد أكبر من الأشخاص.

يشير الباحثون إلى أن سهولة الاستخدام عبر الاختلافات البيولوجية أمر بالغ الأهمية للمساعدة في منع مجموعة واحدة أو مجموعة فرعية من الاستفادة بشكل غير متناسب من التكنولوجيا واكتساب ميزة غير عادلة. وعلى الرغم من أن هذا القلق قد يبدو سابقًا لأوانه بالنسبة لتكنولوجيا الأطراف البيولوجية التي لا تزال ناشئة نسبيا، فإن الباحثين يهدفون إلى محاولة مراعاة الاعتبارات الأخلاقية والمساواة.

وقالت كلود في بيان صحفي للجامعة: “نظرا لتنوع الأجسام، من المهم أن تكون مرحلة تصميم التكنولوجيا القابلة للارتداء شاملة قدر الإمكان، ومن المهم بنفس القدر أن تكون هذه الأجهزة سهلة الوصول وفعالة لمجموعة واسعة من المستخدمين، وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون من السهل على الأشخاص تعلمها واستخدامها بسرعة”.

تمتلئ التقنيات الحديثة بالأمثلة المضادة، حيث لم تُركز هذه التقنيات على هذه الاعتبارات بشكل صحيح، بدءا من عدم المساواة في الواقع الافتراضي والمعزز وحتى أنظمة التعرف التلقائي على الكلام التي تمكّن من التحكم الصوتي في الأجهزة مثل الهواتف الذكية ومكبرات الصوت الذكية وأنظمة التشغيل الآلي للمنزل، والتي تواجه تحيزات عنصرية ضد السمات اللغوية للأشخاص الملونين.

وكذلك الأمر بالنسبة لمعايير سلامة السيارات التي لا تأخذ في الاعتبار بشكل متساوٍ سلامة النساء والرجال في اختبارات حوادث التصادم التي تستخدم دمى تمثل البشر لتقييم مدى أمان السيارة للركاب، وتعطي الأولوية للذكور، على الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن النساء “في الواقع أكثر عرضة لخطر الوفاة أو الإصابة عند وقوع حوادث”.

كما ثبت أن الخوارزميات المفوّضة باتخاذ القرار المناسب لديها تحيزات عنصرية سلبية كبيرة ضد الأشخاص من مختلف الهويات الاجتماعية -وخاصة المجموعات ذات الأقليات العرقية-

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى