ثقافة

الفلاسفة والحب.. كيف عاشوا حيواتهم العاطفية؟

على عكس الأدباء الذين احتفوا بالحب وأفردوا له مساحة واسعة في أعمالهم الشعرية والروائية، كان الحب موضوعًا يثير الشكوك والارتباك لدى الفلاسفة. فبينما عبّر بعضهم عن الحب بازدراء، تعامل الآخرون معه بتحفظ شديد.

الحب، الذي لطالما قاوم محاولات العقلنة، أثار دهشة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، حيث قال: “موضوع يحتلّ دورًا بهذه الأهمية في الحياة الإنسانية، لم ينظر إليه الفلاسفة بعين الاعتبار حتى الآن، بل ويقدَّم إلينا كما لو كان مادة لم تُجرَّب بعد”.

هل هذا يعني أن الكثير من الفلاسفة لم يختبروا الحب؟ وهل يمكن القول بأنه لا يوجد توافق بين الفلاسفة والحب؟

هذا ما تحاول الباحثتان والصحفيتان الفرنسيتان ماري لومنييه وأود لانسولان الإجابة عنه في كتابهما “الفلاسفة والحب” الصادر عن دار التنوير سنة 2015 بترجمة دينا فتحي مندور. يتناول الكتاب حياة أبرز الفلاسفة في التاريخ، بدءًا من أفلاطون ومرورًا بلوكريس وكانط ومونتاني، وصولاً إلى شوبنهاور ونيتشه وغيرهم.

“محكوم علينا بالحب”
ظل الحب موضوعًا هامشيًا في الفلسفة عبر التاريخ، حيث انشغل الفلاسفة بتحرير الإنسان من أشكال العبودية العقلية، بينما يؤدي الحب بالناس إلى الموت كمدًا. أمام هذا الانشغال، يبرز كتاب أفلاطون “المأدبة” كمرجع للتفكير الغربي حول الحب والرغبة، وهو ما وصفه جاك لاكان.

في “المأدبة”، يحكي أرستوفان عن بشر كانوا في الأصل يمتلكون أربعة أيدٍ وأرجلٍ ووجهين، ولكنهم أثاروا غضب زيوس، فقسّمهم إلى قسمين. منذ ذلك الحين، أصبح الإنسان كيانًا ناقصًا يبحث عن نصفه الآخر. ترى الكاتبتان أن هذه النظرية تجد تبريرها في الاعتقاد اللاشعوري لدى البشر بأننا محكومون بالبحث عن “توأم الروح” لإعادة تحقيق سعادتنا.

“رغبة مهلكة”
نعرف القليل عن الشاعر اليوناني تيتوس لوكرشس، باستثناء قصيدة فلسفية طويلة تحمل رؤية قاتمة عن الحب وعذاباته. يحذر لوكرشس من أن تجنب الوقوع في شرك الحب أسهل من التخلص منه، ويشبه عذابات الحب بعذاب تانتالوس، حيث تزداد الرغبة في امتلاك الآخر، مما يحرق القلوب برغبة مهلكة.

“قوة معدية”
عانى الفيلسوف جان جاك روسو من النساء طوال حياته، وعلى الرغم من أنه كتب رواية تحتفي بالحب، فقد اعترف في “الاعترافات” بأنه لم يعرف حبًا حقيقيًا. يرى روسو أن الحب قوة معدية واصطناعية، نشأت من استخدام المجتمع لها واحتفاء النساء بها، لكنها تحمل شعورًا حقيقيًا بالجمال الذي يجعلنا نحب.

شر لا بد منه؟
لم يعرف الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط النساء في حياته، حيث كرّس حياته للتأمل والتدريس. لم يتزوج كانط أبدًا رغم ميله لبعض الفتيات. ربما تعبر عبارة ديوتيم في مأدبة أفلاطون عن حياته: “إما الأبناء أو الإنتاج الأدبي، كل إنسان يختار طريقه للخلود”، وكان كانط يميل للاختيار الثاني.

شعور مُدان
بالنسبة لشوبنهاور، السعادة الحقيقية تتمثل في عدم ولادة الإنسان من الأساس. يصف الحب بسلسلة من الحماقات، ويرى أن العشاق مجرد دمى متحركة. رغم مرور شوبنهاور بعلاقات قصيرة، إلا أن غيرته وعدم ثقته أفسدتها، وكان يشكو من رغباته التي تقوده إلى مستنقعات كريهة.

وقود الإبداع
التقى الفيلسوف فريدريك نيتشه بالكاتبة لوسالومي تحت قبة كاتدرائية سان بيير في روما، وبدأ اللقاء بعبارة: “من أي نجم سقط كل منا على الآخر؟”. رفضت لوسالومي فكرة الزواج منه، مما حطم قلبه. عُرف عن نيتشه ولعه بالعزلة ووصف الحب في بعض كتاباته بأنه “غريزة حيوانية” وخداع للذات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى