تقنية

حقائق ويكيليكس تتلاشى أمام أحلام اللعب مع الكبار

انتهت قصة من أكثر قصص القرصنة إثارة خلال العقد الأخير، وهي قصة جوليان أسانج، مؤسس ويكيليكس، التي استمرت لأكثر من 12 عامًا ولم تتكشف جميع خيوطها حتى الآن. خرج أسانج من سجنه بعد أن قضى أكثر من 12 عامًا حبيسًا، سواء بين جدران سفارة الإكوادور التي لجأ إليها في عام 2012 أو في محبسه البريطاني الذي نُقل إليه في عام 2019.

ومع خروجه بصفقة لم تُكشف تفاصيلها بالكامل بعد، ينتهي فصل مهم من حكاية ربما لن تكون لها نهاية سعيدة. ورغم تناول العديد من الأفلام لهذه القصة بجوانبها الحقيقية من الناحيتين الدرامية والوثائقية، فإن فيلم “اللعب مع الكبار” للفنان عادل إمام، الذي عُرض في بداية تسعينيات القرن الماضي قبل نشأة ويكيليكس، كان أول ما خطر لي وأنا أقرأ خبر تحرير أسانج. فرغم التشابه الكبير بين فكرة القصتين، إلا أن هناك اختلافًا مثيرًا يستحق تسليط الضوء عليه.

جوليان وحسن.. تشابه الهدف واختلاف الشخصيات
برغم اختلاف القصتين في التكنولوجيا والزمان ومدى الفساد الذي نتحدث عنه، فإننا لا نستطيع أن نغفل التشابه بين جوهر شخصيتي جوليان أسانج وحسن بهنسي بهلول، بطل فيلم “اللعب مع الكبار”. كلاهما يتمتع بحس عالٍ بالعدالة ومفهوم ضرورة محاربة الفساد. إلا أن شخصية حسن، بطل فيلم “اللعب مع الكبار”، كانت تتسم بالبساطة وعدم الأهمية، بينما كان أسانج شخصية معتبرة في مجتمعه. فقد وصفته الباحثة الأكاديمية “سويليت دريفوس” بأنه “باحث ماهر جدًا” وكان لديه “شغف بمفهوم الأخلاق ومفاهيم العدالة”. التحق بدورة في الرياضيات والفيزياء في جامعة ملبورن وأصبح عضوًا بارزًا في قسم الرياضيات، متبنيًا نمط حياة أشبه بالبدو الرحالة ليدير ويكيليكس من مواقع متغيرة.

من “مقسم هاتف” إلى “علبة الرسائل الميتة”
في فيلم “اللعب مع الكبار” الذي عُرض عام 1991، اعتمد البطل على صديقه عامل مقسم الهواتف الذي كان يتنصت على مكالمات الفاسدين. أما أسانج، فقد اعتمد على التكنولوجيا التي كان خبيرًا فيها منذ مراهقته. أسس موقع ويكيليكس في عام 2006 مع مجموعة من الشركاء، مبتكرًا “علبة الرسائل الميتة” على الإنترنت، وهي فكرة تقوم على استقبال المعلومات بسرية تامة وضمان حماية المصادر. وصرح أسانج لبي بي سي في عام 2011 بأنهم أصبحوا بارعين في توزيع الخوادم وتشفير كل شيء لحماية هوية مصادرهم، مضيفًا أنهم لم يخسروا أي قضية أو مصدر يومًا.

شمولية ويكيليكس ومحدودية اللعب مع الكبار
في فيلم “اللعب مع الكبار”، كانت المعلومات التي يدعي حسن الحصول عليها في أحلامه، تهدف إلى منع جرائم محدودة التأثير تشمل مصر فقط. بينما مع أسانج، كانت الحقائق والمعلومات التي كشفت عنها ويكيليكس أضخم وأشمل، تضمنت وثائق وأدلة عن انتهاكات وفساد عالميين. من أبرز هذه التسريبات:

  • “سجلات الحرب” (2010): نشر وثائق عن حربي أفغانستان والعراق، وكشف دعم المخابرات الباكستانية لطالبان وأعمال تعذيب ارتكبها الجيش الأمريكي.
  • “كيبل غيت” (2010): نشر ما يقرب من 250 ألف برقية دبلوماسية سرية.
  • “ملفات غوانتانامو” (2011): كشف أسماء وممارسات تعذيب في معتقل غوانتانامو.
  • “التجسس على الحلفاء” (2015): تنصت وكالة الأمن القومي الأمريكية على رؤساء فرنسا وحلفاء آخرين.
  • “رسائل البريد الإلكتروني لبوديستا” (2016): نشر رسائل بريد إلكتروني مخترقة من حساب جون بوديستا، مدير حملة هيلاري كلينتون.

ابن بهلول محظوظ أكثر من ابن أسانج
في نهاية فيلم “اللعب مع الكبار”، تتخلص منظومة الفساد في مصر من مصدر معلومات حسن بقتله، لكنه يظل مصرًا على كشف الفساد تحت حماية رجال الشرطة الصالحين. أما أسانج، فقد قضى أكثر من 12 عامًا في السجن ولم يجد من يدعمه في المنظومة العالمية. وعقد صفقة للخروج من السجن، ربما لفقدانه الأمل في تغيير العالم.

الحياة الواقعية تختلف عن الأفلام؛ فحسن، البطل البسيط الأقل كفاءة من أسانج، وجد حماية ودعمًا في قصته، بينما واجه أسانج تحديات أكبر وأقسى. لو كانت قصة أسانج فيلمًا خياليًا في تسعينيات القرن الماضي، لربما فازت بجائزة الأوسكار لأسوأ فيلم مؤامرة أو لسقطت من شباك التذاكر لأنها خيالية وقاتمة أكثر من اللازم. لكن الحقيقة دائمًا ما تكون أقسى من الخيال، وقصة أسانج وويكيليكس تفوق الخيال في تعقيدها وقسوتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى