ثقافة

موشحة بالخراب: بؤرة الموصل الثقافية تحتضر

تعد الثقافة وأماكنها من أكبر ضحايا الحروب والنزاعات الداخلية في العراق. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، شارع النجفي في الموصل، الذي كان يُعد ملتقى المثقفين ومركزاً للمعلومات العلمية والأدبية في نينوى. غير أن الإهمال المستمر منذ سنوات حول هذا الشارع إلى شبه خرابة مهجورة، ولم يعد يحتوي إلا على خمسة محال تحيطها الصمت والسكون بسبب انعدام حركة البيع.

كان شارع النجفي، الذي أُنشئ في العهد الملكي، يتميز بازدحامه بالزوار من داخل الموصل والمدن القريبة، وكان لسنوات طويلة نقطة جذب للباحثين عن المعرفة في مختلف العلوم. الصحفي محمد الصراف يصف تأثير الشارع الأزلي في نشر الوعي، ويشير إلى أن الشارع شهد خرابًا تامًا بسبب الحرب الداخلية بالمحافظة وعمليات التحرير.

وأضاف الصراف أن “ما يزيد الوضع سوءًا هو انعدام جهود الحكومتين المحلية والاتحادية في إعادة إعمار الشارع، رغم إقامة مهرجانات مستمرة من قبل متطوعين ومنظمات مدنية بتمويل ذاتي”.

يُظهر مشهد دخول السيارات إلى شارع النجفي ظاهرة دخيلة لم تكن موجودة في الماضي، ويعبر عنها المثقفون بالكثير من الاستياء. ممتاز محمود، صاحب إحدى المكتبات، يوضح أن الشارع كان يمنع دخول السيارات والدراجات بين المكتبات، مما يضفي عليه طابع السياحة الثقافية التي يفرضها المكان. وأكد أن هذه التغييرات ساهمت في زيادة الركود في المبيعات، خاصة مع غياب تعويضات المتضررين التي وعدت بها الحكومة منذ سنوات ولم تصرف، مما يزيد من معاناة أصحاب المكتبات الذين ينتظرون إعادة البناء أو الترميم على الأقل لاستعادة الأمل في إعادة الشارع إلى رونقه الأدبي.

الناشط المدني داود السنجري يروي كيف كان هو وأصدقاؤه يجوبون شارع النجفي منذ الصبا بحثًا عن أي مصدر أو معلومة يحتاجونها، مشيرًا إلى أن أغلب العلماء والخطباء والكتاب نهلوا من علومه واغتنت أقلامهم بمحتواه.

في ختام حديثهم، طالب الصراف وممتاز محمود الجهات المسؤولة، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، بإيلاء الشارع الاهتمام اللازم وإعادة إعماره، معتبرين أن إعادة افتتاحه ستسهم في انتشال الواقع الأدبي مما أسماه الصراف بالنكبة الثقافية. كما شدد محمود على ضرورة إعادة الصفة الأصلية للمكان وإبعاد المحال الغذائية والسلع المنزلية التي أفسدت نكهة الكتاب والقراءة وعبق المعلومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى